كانت القريتين شأنها شأن الريف العربـي السوري تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة, ومن ثم تربية الحيوان والتجارة, ويضاف إليها الانخراط في وظائف الدولة كالجيش والشرطة وشركة نفط العراق ومناجم الفوسفات في خنيفيس والشرقية والمرملة والمحسة ووظائف أخرى, كما اعتمد أبناؤها على الهجرة والاغتراب ولاسيما إلى السعودية والإمارات ولبنان, ويهمنا هنا في هذا البحث دراسة الزراعة وتربية الحيوان والهجرة وبقية الأعمال التي يقوم بها ابن القريتين.
أولاً: الزراعة:
فالزراعة قديمة في القريتين, وهي مروية وبعلية, والزراعة المروية تحيط بالقريتين ولاسيما في شرقها وغربها, وأما البعلية فهي خارج القريتين ولا سيما في شمالها وشمالها الشرقي حيث حوض الدو الواسع وسنتحدث عن الزراعتين البعلية والمروية بالتفصيل, وقد وجد في القريتين نظام إقطاعي لكنه انتهى دون تطبيق قانون الإصلاح الزراعي, فقد انتقلت ملكية الأراضي للفلاحين عن طريق البيع والشراء وكذلك ملكية المياه و ( الصورة رقم 50 ) الآغا فياض مع عائلته عام 1900م ( 1 ) .
الصورة رقم (50) الآغا فياض الفارس مع عائلته, تصوير جير ترود بيل
والواقع أن الإقطاع وجد في القريتين خلال الحكم العثماني, وتكرّس أثناء الاستعمار الفرنسي لبلادنا, وهو انعكاس لحقبة من الزمن عاشها قطرنا في ظل الاحتلال, هذا وبالرغم من أن العلاقات في معظمها كانت حسنة بين الفلاحين ومعظم الأغوات حيث انتخبت القريتين خلال القرن الماضي وفـي فترات متلاحقة للمجلس النيابـي كلاً من أحمد الفياض ومنير الفياض والمربـي بسام الفياض - والأخير صاحب فضلٍ لأنه من أوائل من مارس التعليم فـي مدارس القريتين, وكان نِعمَ المربـّي- فهذا ( للحقيقة ) لا ينفي وجود حوادث عرضية جعلت من هذه العلاقات غير إنسانية أحياناً.
إن هذا الواقع انتهى فيما بعد ولاسيما بعد قيام ثورة الثامن من آذار 1963 م, والتي كفّت يد الاقطاع عن السلطة, وأعطت الفلاح حقه وجعلته سيداً في أرضه, حتى أصبح الكثير من أبناء أولـئك الفلاحين الفقراء أكثر ثراءً وتملكاً للمزارع من أبناء الأغوات أنفسهم . ولقد اعتمد الفلاح القروانـي في استثمار أرضه سابقاً على جهده العضلي واستخدام الحيوان, أما حالياً فقد دخلت الآلة الحديثة هذا المجال ( 2 ).
آ- أدوات الفلاح : لقد كانت أدوات الفلاح بسيطة وقديمة, فالحراثة تعتمد على المحراث القديم الذي يعود إلى آلاف السنين أي إلى العهد السومري في بلاد الرافدين (3500 ق .م ) والتي كانت تجره الحيوانات وأدوات الفلاح هي:
1 - المرّ: وهو أداة تستخدم بكثرة في عزق الكروم المروية أو ما يسمى (بالعذار) والعمل به شاقٌّ ومضنٍ وهو آلة فردية تتألف من قطعة مثلثية من الحديد ولها عصا خشبية طويلة تتجاوز غالباً طول الفلاح ( 2 م ) ويمسك بها الفلاح وفوق القطعة المثلثية قطعة خشبية عرضانية يضع الفلاح رجله عليها أثناء العزق كي تدخل القطعة الحديدية في التربة ومن ثم قلبها ويحتاج العمل بالمرّ إلى تمرين وتعاون من الأهل والأصدقاء ويسمونها ( فزعة). صورة رقم ( 51 )
2 – المسحاة: وهي قطعة من الحديد مستطيلة الشكل لها قبضة خشبية فيها حبل والمسحاة يستخدمها اثنان أحدهما يمسك بقبضتها الخشبية والآخر يشد الحبل لجرها وتستخدم المسحاة في تمهيد الأرض وإقامة المساكب والحواجز بينها الصورة رقم ( 52 ).
3 – المجرفة: وهي أداة زراعية فردية ذات قطعة حديدية مثلثية الشـــــــــــــــكل لها عصا خشبية (دون 1 م ) تستخدم أثناء السقاية وإقامة المساكب حول الأشجار وإزالة الأعشاب .
الصورة رقم ( 51 ) المَرّ
الصورة رقم ( 52 ) تبين العمل بالمسحاة في كرم المرحوم عدنان البخيت ( العرندس ) أبو جمال
يساعده مطانس البيطار أبو عمار ( الأخرس )
4 – المذراة: وهي أداة زراعية فردية ذات أصابع من الخشب عددها ستة أو سبعة, ولها مقبض أو عصا طويلة تستخدم أثناء تذرية البيدر فقط وذلك لفصل التبن عن الحَبّ, كما توجد مذراة ذات أصابع أقل من الحديد لتجميع الزرع قبل درسه, وتقليبه أثنائـه, الصورة رقم (53) .
الصورة رقم (53) مذراة بأصابع حديدية وأخرى خشبية والمغمارة والقطفة والمنجل
5 – الشوكة: وهي أداة زراعية فردية مؤلفة من عصا خشبية تنتهي بقطعة حديدية تنتهي بأسنان أو شوكات قصيرة ممتدة للأسفل وهي بخلاف المذراة التي تكون أصابعها طويلة وخشبية وممتدة نحو الأمام والشوكة تستخدم في تسوية الأرض وتمهيدها .
6 – المنجل: وهو أداة من الحديد على شكل قوس ذي شفرة منحنية وله قبضة خشبية يستخدم في عملية حصاد القمح والشعير.
7 – القطفة والنجق: القطفة تشبه المنجل ولكنها أصغر وتستخدم لقص الأعشاب ولا سيما الفصة ويستخدم النجق إذا عكس لقص عيدان الأشجار وتكسيرها وهو يشبه القطفة .
8 – النورج: ( يدعى المرج عند القراونة ) وهو لوح خشبي يتجاوز طوله (120) سم وعرضه (70 ) سم وضعت في أسفله قطع حجرية سوداء خشنة الملمس مثبته في اللوح يوضع عليه كيس مملوء بالتراب أويجلس عليه طفل ويجره حماران غالباً أو ثوران ويستخدم أثناء دراسة البيدر حيث يتم وضع القش حول البيدر على شكل حلقة أو ما يسمى بالطرحة, وتتم عملية التكسير للقش وتقليب الطرحة ووضع غيرها, وهكذا حتى تنتهي عملية التنعيم, وأما الحيلان ذو الدواليب الفولاذية المسننة فقد كان استخدامه محدوداً في كروم القريتين , ( الصورة رقم 54 ) .
الصورة رقم ( 54) النورج ( المرج ) والحيلان
9 – المطباشة: وهي أداة مؤلفة من عصا خشبية يأتي في نهايتها قطعة خشبية أسطوانية الشكل تستخدم لتكسير الكدر بعد العذار .
10 - أدوات أخرى مثل القزمة والكريك والمنشار وسكين التطعيم ومقص الشفاية لتقليم الأشجار أو ما يسمى بالزّبار والشفاية بالنسبة لدوالي وعرائش العنب.
11- المحراث اليدوي : وهو كغيره في الريف العربي السوري ويعود تاريخ استعماله إلى ما قبل خمسة آلاف سنة ويتألف من عدة أقسام هي :
- البرك: هو جسر المحراث اليدوي يربط بين كافة الأجزاء .
- السيف: وهو الجزء الذي توضع فيه السكة .
- قصبة العد: وبرأسها قطعة أخرى تسمى الحمامة وتوجد وصلة بين البرك والمنقار ( رأس المحراث ).
- الشرع: وهو يصنع من جلد الجمل أو الناقة بعرض 3 ـ 4 سم .
- النير: لجر المحراث بوساطة الحيوانات التي يوضع على أعناقها .
والأقسام الخشبية للمحراث تصنع محلياً أما السكة فتصنع في المدن كحمص ويجر المحراث ثوران أو حماران ويوجههما الفلاح الذي يسير وراءه ويقبض عليه من الأعلى إلا أن
هذا المحراث أصبح من الماضي واستخدامه نادر وحل محله الجرار الزراعي والآلات الحديثة في عملية الزراعة الصورة رقم ( 55 ) .
الصورة رقم ( 55 ) تبين العمل بالمحراث القديم في القريتين لمحمد حسن العزيز وزوجته( 3 )
وعملية الفلاحة في أراضي البعل ( الزراعة البعلية ) فمساحاتها واسعة جداً ولا سيما في منطقة الدو, وحالياً منعت الحكومة فلاحة البادية حتى المسيلات الخصبة وجعلتها مراعٍ فقط وقد تضرر أبناء القريتين كثيراً جراء ذلك وهم دائماً يطالبون بزراعة المسيلات في سنوات الخير, وأهم الزراعات البعلية الشعير والقمح والذرة البيضاء وأحياناً الحمص وفي الفترة الأخيرة قام البعض بزراعة البطيخ الأحمر والعجور والبجر ولا سيما في منطقة الدو, وهذه الزراعة كانت تتم في بداية الشتاء بعد عدة أيام من سيلانها وقبل أن تتخلص الأرض من رطوبتها كي يتم إنبات البذار لأنه إذا تخلصت الأرض من رطوبتها وجفت لم تعد صالحة ويقولون: (الأرض طـيّرت), وعندما ينثر الفلاح بذاره يدعو ربّه قائلاً: (يا ربّ أطعمنا لَنطعم ) ولا بد أن يتوالى سقوط المطر كي يستمر القمح أو الشعير في نموه وتسمى أعوام الزراعة الوفيرة بأعوام الخير, والفلاح يتأمل المطر ويُسَرُّ بسقوطه, وجملته المشهورة عندما يسمع أو يرى ما يشير إلى المطر هي ( الله يبعث الخير ) كما يتأمل المطر في آذار, فالمثل القرواني يقول (إن أقبلت آذار روّاها وإن أمحلت آذار وراها ) أي آذار قادم وبه الأمطار, وفي بداية الصيف كان يبدأ موسم الحصاد عندما تنضج سنابل القمح والشعير وكانت تتم عملية الحصاد في ساعات الصباح الأولى قبل اشتداد حرارة الشمس حيث الندى, وعندما تنتهي تبدأ عملية الرجاد (نقل الحصيد) إلى منطقة البيـادر بواسطة الحمير أو العربات, ومن ثم الدراسة والتذرية فـي منطقة البيادر, وكانت غالبـاً في الجهـة الشرقيـة من البلدة ( منطقة الخراب ) بعد أن كانت سابقاً خارج السور في شمال القريتين القديمة قبل توسعتها أي إلى الشرق من مؤسسة الكهرباء كما هو مبين في الصورة رقم ( 56 ) وهناك المنطقة الممتدة بين شرقي دار محـمد السوعان أبو عبدو رحمه الله ودار الأستاذ عبد الكريم السطاح وهناك منطقة أخرى إلى الشمال من محطة المرحوم مصطفى الدروبي للمحروقات وحتى المسلخ وبعدها ينقل المحصول ومخلفاته من تبن وقصرينة ( أعواد قصيرة فيها عقد قاسية تستخدم كوقود) إلى المنزل.
الصورة رقم ( 56 ) بيادر القريتين, وتعود لعام 1900م, تصوير جير ترود بيل
أما بالنسبة للزراعة المروية والتي تدعى بالكروم ( سميت بساتين القريتين بالكروم لأن الكرمة أي العنب تغطي معظم مساحاتها وهي التسمية السائدة ) , وأهم مناطقها وادي العين والطاحونة الفوقا والطاحونة التحتى وعيناثا وعين السخنة وحتران وشيحة وعين أبو جدار والوادي الشرقي وغيرها, وهي ذات ملكية فردية يتوارثها الأبناء عن الآباء وفيها طابو ( سند تمليك ), وهي ملكيات صغيرة حالياً لا تتجاوز عدة هكتارات, وغالباً للكرم جدران تفصله عن غيره من الكروم وهي من( لبن اللبّون ) لكن معظم هذه الجدران الداخلية الفاصــلة بين هذه الكروم لم يعد لها وجود ,وأما الجدار الخارجي فيتم ترميمه ففيه باب الكرم الذي يفتح ويغلق من خلال دقارة خشبية لها مجرى عرضاني مثبتة بالباب من الداخل , الصورة رقم ( 57 ) , وبواسطة مفتاح خشبي ( خاص للدقارة فقط ) في طرفه مسامير ثابتة يدخل في هذا المجرى يتم فتحه وغالباً عدد المسامير أربعة , ويمارس الفلاح الأعمال الزراعية في أرضه بنفسه، يساعده في ذلك زوجته وأولاده, فالفلاح يقوم بتسميد الأرض سواء بالسماد الطبيعي من روث الحيوانات أو من السـماد الكيماوي وذلك فـــــي نهايـــــة فصل الشــــــــتاء, كما يقوم بزراعة الأشـــــــجار والغراس
الصورة رقم ( 57 ) باب كرم من الداخل ويرى فيه الدقارة
وفي بداية الربيع وقبل سريان العصارة في العود يقوم بتقليم الدوالي والعرائش وعلى مرحلتين الأولى تدعى الشفاية وفيها تقص الأفرع الطويلة والثانية وتدعى الزبار حيث يقص الفلاح كل فرع لا فائدة منه كما يترك في الأفرع المتبقية عدداً معيناً من الأقطان وهي عملية تحتاج إلى دراية وتمرين وخبرة وما إن تتفتح أوراق الأشجار حتى يبدأ الفلاح بالعناية بكرمه فكل يوم يذهب إليه ويقوم بعزقه وقلع الحشائش منه كما يحرص على سقايته في مواعيدها ويرش مســــــــــحوق أو زهر الكبريت الأصفر ( هو نتاج ثانوي لتكرير النفط والغاز ) وبعض السموم عندما يكون العنب حصرماً ولاسيما قبل طلوع الشمس وتطاير الندى فأفضل الأوقات عندما يكون الهواء ساكناً وقد تتكرر هذه العملية (التكبرت)؛ وهذا التعفير يتم بوضع مسحوق الكبريت برقعة من الخيش أو الشاش ومن ثم هزها بلطف نحو الأعلى والأسفل فوق الدالية فيتناثر الكبريت عليها, وهذا المسحوق هو المنتشر بكثرة في كروم القريتين ثم دخل الكبريت السائل ( الميكروني ) في عمليات الرش سواء على العنب أو الخضار كالبندورة مثلاً .
وعندما يبدأ العنب بالنضوج ( المزّيج ) تبدأ عملية القطاف اليومي للاستهلاك وما إن يحل عيد الصليب (14 أيلول) حتى يكون الفلاح قد اتخذ قراره الأخير إما بيع عنبه أو تحويله إلى زبيب والعملية الثانية تتم بغلي الماء بمادة القلو ( ماءات الصوديوم NaOH) وهي مادة تؤخذ من نبات الشنان الصحراوي بعد حرقه وهو أخضر, مما يبعد الحشرات عنه فهو معقم ويساعد في جفافه وتحوله إلى زبيب, كما تضاف ملاعق من زيت الزيتون إلى ذلك الماء لتغليف العنب ومنع وصول العفن إليه بعد تعقيمه, ويتم وضع عناقيد العنب في هذا السائل ثم تنشر على الأرض وتسمى بالمساطيح ( المسطاح عبارة عن مساحة من الكرم غالباً بين الدوالي ) حيث تتعرض إلى أشعة الشمس ويقلبها الفلاح بعد عدة أيام ولا يجمعها إلا بعد أن تتحول العناقيد إلى زبيب ثم ينقل الزبيب إلى بيته بأكياس من الخيش, وفي البيت يتم فرز الأنواع الجيدة كالدربلي وأصابع العروس فيحتفظ بها لتقديمها في ليالي الشتاء لهم وللضيوف أو للبيع إذا كانت الكميات كبيرة , الصورة رقم ( 59 ) . وهذه الأنواع مشهورة ويتغنى بها من يعرف زبيب القريتين ( يا زبيب القريتين .. أشقر ما هو حبتين ) ( 4 ) وما تبقى من أنواع أقل جودة فمصيره إلى المعصرة لتحويله إلى دبس الصورة رقم ( 58 )
.
صورة رقم ( 58 ) الأولى لدالية عنب قرواني والثانية مسطاح عنب قرواني معد للزبيب
الصورة رقم ( 59 ) تبين وضع عناقيد العنب بالسائل القلوي ومن ثم نشره على الأرض
وقد تعرضت كروم القريتين إلى أمراض وأهمها الفولكسيرا التي أودت بالكثير من كروم القريتين مما اضطر الفلاح إلى قلع الدوالي وإعادة غرسها بغراس ذات جذور مرة (شرش مرّ ) ثم يطعمها بأنواع من العنب سواء القروانـي الذي له شهرته القديمة في أسواق حمص ودمشق وتدمر والقلمون الذي يتميز بحلاوته الشديدة وبحبته ذات القشرة الرقيقة فهو عنب مائدة فعلاً, ويقال إن هذا النوع من العنب عرفته القريتين قبل دخول الرومان إلى المنطقة, أو يطعّمها بالموشّم أو الدّربلي أو أصابع العروس ( أبيض )... إلخ, أو بأنواع وافدة على القريتين كالبيتمونـي والحلوانـي.
وأما شجرة الزيتون فرغم قدمها في سورية فقد كانت أعدادها في القريتين في بداية سبعينيات القرن الماضي أقل من ( 40 ) أربعين شجرة, ومعظمها داخل البيوت ومن صنف واحد وللاستهلاك المحلي فقط, ولذا كان الأهالي يشترون الزيت والزيتون من مناطق أخرى, بينما حالياً يقدر العدد بـِ ( 125000 ) مائة وخمس وعشرين ألف شجرة ومن أصناف عدة, والعدد يزداد سنوياً, وسبب ذلك يعود إلى الإقبال على زراعة هذه الشجرة المباركة والدائمة الخضرة, ونجاحها داخل القريتين والمزارع المجاورة لها.ولقد نافست الأعناب من حيث العدد والأهمية ولاسيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة, وهي تزاحم الأشجار في البساتين والشوارع والبيوت, فمنظر الزيتون فـي شوارع القريتين أصبح يثير الانتباه والإعجاب, وابن القريتين يعتبرها شجرة مباركة من حيث الثمر والزيت, والقريتين تعصر حالياً كميات كبيرة من الزيتون, وهناك عدة سيارات يومياً تقوم بنقل كميات كبيرة من الزيـتون إلـى المعاصر أثناء الموسم, ولذا أصبحت الحاجة ماسّة لإقامة معصرة للزيت في القريتين .
إن ثمار القريتين من أطيب الثمار, وهو أمر ملاحظ من خلال الفواكه والخضار التي تزرع فيها ولاسيما العنب القرواني والذي شهرته واسعة, وكذلك التين بألوانه وأنواعه الثلاثة وهي بحسب تسميته المحلية ( العسلي ودم غزال والأحمر ) الصورة رقم ( 60 ) وأما البندورة البلدية والتي اشتهرت بها القريتين فأشكالها غير منتظمة وتجاعيدها كثيرة وتمتاز بطعمها الحامض ونكهتها الخاصة، فهي لذيذة نيئة ومطبوخة, كما تحتوي على نسبة عصير عالية إذا نضجت مما يجعلها ملائمة لصنع رُب البندورة، الصورة رقم ( 61 ) ويعود ذلك إلى طبيعة مناخ القريتين وجودة مياهها. وكما ضمت كروم القريتين أشجاراً مثمرة كالتفاح والجوز والرمان والمشمش وخضاراً كالباذنجان والكوسا والخيار والبصل والثوم وغيرها .
الصورة رقم ( 60 ) أنواع التين الثلاثة والمنتشرة في القريتين
الصورة رقم ( 61 ) البندورة البلدية القروانية
ب - التقويم الزراعي:
صحيح أن الفلاح القرواني لا يملك تقويماً مكتوباً لأعماله الزراعية لكن هناك معلومات يتلقاها شفاهاً وتنتقل من جيل لآخر, فالاعتماد على حسابات الفلك قليلة ولكن من خلال التجربة عرف الفلاح القرواني الكثير من المعلومات العملية, فمثلاً عندما تتلبد السماء بالغيوم (تسدّ كما يقال ) وتصبح الرياح شرقية يجزم بأنه سيكون هناك أمطار غزيرة وسيول, ولذا يجب أن ينتبه الفلاحون والرعاة إلى ذلك, وليالي الشتاء الخالية من الغيوم تكون باردة جداً ويخشى من الصقيع ومن خلال لون الغيوم يعرف طبيعة الأمطار التـي ستهطل, أو إن كان هناك ثلج, فهم يقولون: ( ريحتها ريحة ثلج ) وقد صيغت أمثال شعبية تناقلتها الأجيال وهي سهلة الحفظ تدل على التجربة وشدة الملاحظة وسيتم ذكرها في الفصل المتعلق بالأمثال الشعبية ومنها:
( عيد البربارة بيصير النهار نطة فارة - سَعْد السُّعُود بدب الماويّة بالعود وبيدفا كل مبرود - مطرة آذار بتحيي كل عود بار- سعد بُلـع: السما بتمطر والأرض بتبلع الماء فيه بلع- سعد الخبايا بتكثر فيه الحيايا وبتتفتل فيه الصبايا- عيد الأربعين شاهِدْ جاهِد على كرمك جاهدْ– كانون كِنْ ببيتك وكثّر ملحك وزيتك– من خميس لخميس كلّ عود يبيس, والمقصود كلّ عود أخضر وهذا يكون في شهر نيسان ) (5) .
وعندما ينحبس المطر ويتأخر نزوله يكثر الدعاء من قبل الأهالي راجين من الله نزول المطر ولاسيما في صلواتهم حيث يقولون ويدعون: ( ربنا اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ) (6).
وكانوا يخرجون ومعهم المسنين والأطفال والبهائم إلى خارج البلدة ومعهم السيّارة (النوبة ) والمزاهر – سنتحدث عن النوبة عند الحديث عن الموت في القريتين - ويرددون جميعاً :
مولايَ صلِّ وسلّمْ دائماً أبداً على حبيبِكَ خيرِ الخلقِ كُلِّهِمُ
ثم يستغفرون الله ويصلون صلاة الاستسقاء, ولكن هذا الأمر انتهى منذ عقود, وحالياً تصلى في المساجد, ويطلب من الأهالي الصوم والاستغفار, فقلة المطر وانحباسه سببه أخطاء العباد وأكلهم حقوق الآخرين وعدم إخراج الزكاة, ولذا هم يكررون دائماً ما جاء في الحديث الشريف: ( وما منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القطر ) ( 7 ) أي المطر.
ولقد شاهدت بعض المسنين في ليلة عيد الصليب يضعون أكواماً صغيرة من الملح عددها اثنتا عشرة موزعة في صفين وكل كومة تشير إلى شهر ميلادي, ويقوم هذا المسنّ بتعيينه ثم يتركها في العراء حتى الصباح حيث يقوم بمعاينة هذه الأكوام, فالكومة التي تتأثر بالندى والرطوبة تعني عنده أن المطر سينزل في الشهر الذي تشير إليه الكومة, وهذا من الرجم بالغيب, وليس له أساس علمي.
ثانياً: تربية الحيوانات:
كانت تربية الحيوانات نشاطاً مكملاً للإنتاج الزراعي غايتها تأمين بعض الحاجات الغذائية ومساعدة الفلاح في أعماله الزراعية, وأهم هذه الحيوانات الأغنام وهي الأكثر عددا ًوانتشاراً ثم الماعز والأبقار وقديماً كانت الجمال تربى بأعداد كبيرة, وكان لحمها متوفراً في سوق القريتين بشكل دائم ويفضله السكان على غيره في أكلات معينة ولاسيما الكبة والعروق, ولحم القعود ينادى عليه فهو طري ولذيذ لكن الجمال حالياً قليلة جداً, وأما حيوان الركوب فقد كان الحمار بالدرجة الأولى وعليه يعتمد الفلاح وقد كانت هناك حمير مشهورة بقوة التحمل يطلق عليها (حمار صلبي ), وأما الخيل فكانت للركوب والزينة ومناسبات الأعراس, وكان الموسرون كالأغوات يمتلكون خيولاً أصيلة قبل دخول السيارة القريتين لكن الخيول انعدمت تربيتها ولم يعد لها أي وجود. وقد كانت هناك عائلات تعتمد في معيشتها على هذه الحيوانات, فهي تربيها للتجارة, وتنتقل بها من منطقة لأخرى طلباً للكلأ والماء, وكانت معروفة لدى قبائل البدو ولها علاقاتها القوية مع هذه القبائل ولاسيما الرولة والفواعرة وبني خالد وتجار الأغنام والإبل في دمشق وحمص ودوما وغيرها, كما كانت تبيع الحليب لمصانع الجبن البدائية المعروفة بـ (المجابن) في البادية في فصل الربيع, وأصحابها هم من الحضريين, ويصنعون الحليب جبناً ينقلونه إلى المدن فـي صفائح ( تنكات ) مغلقة, إلا أن هذا الأمر بدأ بالتراجع وتحولت تربية الحيوان نحو الحداثة حيث الحظائر الحديثة والأعلاف المركبة ولاسيما بعد إنشاء مستودعات الأعلاف من قبل الدولة ومن هنا جاء انتشار المداجن الحديثة سواء لتربية الدجاج الفروج أم البياض ليحل في كثير من الأحيان محل الدجاج البلدي والبيض البلدي ذو الطعم الأفضل, وللحيوانات أسماؤها بحسب تطور عمرها فمن الأسماء (الرغوث ) وهي الغنم أو الماعز عندما ترضع وتحلب, و (شاة لبون) أي غزيرة اللبن (حلوب), وإذا بدأ حليب الغنم ينقطع قالوا: الغنم غرَّزت .
ويسمى ولد الماعز إن كان ذكراً جدياً, وإن كان أنثى سخلة, أما ولد الغنم فيسمى حَمَلاً ثم خروفاً كما تسمى الصغيرة ( فطيمة)، ثم كركورة، ثم عابورة بعد الفطام، كما يسمى الصغير طَلياً وجمعها الطليان، وإذا بلغ سنة سمي ذكر العنـز تيساً والأنثى عنزاً, أما ذكر الغنم فيسمى كبشاً والأنثى غنمة, وفي السنة الثانية سمي الذكر جذعاً والأنثى جذعة, وفي السنة الثالثة ثنياً وثنية.
وأما بالنسبة للبقر فولدها يسمى عجلاً أو ثوراً والأنثى عجلة, وفي السنة الأولى يسمى تبعاً, وفي الثانية جذعاً وهكذا كما في الغنم، ويسمى الجمل في السنة الأولى حواراً، ثم قاعوداً .
ثالثاً: الهجرة :
عرفت القريتين الهجرة منذ القديم, وازدادت في الآونة الأخيرة ولاسيما في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ( 8 ) , فالقريتين التي نفوسها ( 32 ألف نسمة وذلك في آذار 2005م ) لم يكن يتواجد فيها وقتها سوى النصف تقريباً, ولقد بدأت الهجرة الداخلية والخارجية منذ القديم مما يُفسِّر وجود عائلات من أصل ( قرواني ) داخل القطر وخارجه, ولقد اتجهت الهجرة الأولى خلال الحكم العثماني لبلادنا إلى الأرجنتين ولاسيما إلى مدينة مندوسا حيث استقر فيها معظم الشباب الذين وصلوها, وهؤلاء الشباب من عائلات ( الســـعد والدروبـي والصليبي والغصن والعصورة والقطّاش والباكير وعطا الله ومطر... ) حتى أن بعضهم أثبت وجوده هناك وأصبح لأبنائه مركز هام كأولاد المرحوم أحمد السعد, والسبب الرئيسي لهجرتهم هي المظالم التي عانتها بلادنا أيام الاتحاديين الأتراك في بداية القرن العشرين وانتشار الفقر والجوع , وقد زاد من هذه المظالم سوق الكثير من الشباب إلى حروبٍ في روسيا وقناة السويس واليمن حتى أصبح من يُساق إلى الخدمة العسكرية في تلك الفترة المظلمة كأنه يُساق إلى الموت ولاسيما أيام سفر برلك ( 9 ), وقد انعكس ذلك على غناء الناس فكانت هذه النغمة الحزينة في غناء أبناء القريتين والتي مازالت الأجيال ترددها وهي:
إنه طلب الأمان من الله, إنه الحزن الدائم والحسرة النابعة من قلب مكلوم, ولِماذا ؟ لأنّ هؤلاء الأحبة سيذهبون إلى اليمن, واليمن كانت مقبرة الأناضول, ومن هنا كانت الهجرة إلى الأرجنتين للتخلص من الظلم كما ذهب البعض بدوافع نفسية كالطموح وحبّ المغامرة وقد عاد بعضهم واستقر في القريتين مما يفسر وجود بعض الأفراد الذين يحملون الجنسية الأرجنتينية فيها, كما توجد عائلات في لبنان والأردن من أصل قروانـي.
أما الهجرة الثانية فبدأت في النصف الثاني من القرن العشرين وفيها اتجهت أعداد كبيرة من الشباب إلى الدول العربية النفطية كالسعودية والإمارات وليبيا, ولا بد من التمييز بين الهجرتين فالأولى في معظمها دائمـة ودون فائدة بالنسبة للقريتين, فالكثيـر من أبناء المغتربين بدّل لغته ودينه ونسي أصله, أما الهجرة الثانية فهي مؤقتة وهؤلاء المهاجرون يعودون في كل صيف إلى القريتين وقد استفادت منهم كثيراً في نهضتها العمرانية ومن خلال تبرعاتهم إلى جمعية البر وبناء المساجد وأما الهجرة إلى المدن السورية ولاسيما إلى حمص ودمشق فهي جزء من هجرة عامة يشهدها القطر تتمثل بالهجرة من الريف إلى المدينة, فلا توجد أسرة في القريتين إلا ومنها أفراد يسكنون في هذه المدن وغالباً يختارون أحياء معينة لاستقرارهم, فمثلاً في مدينة حمص تجد معظمهم يتجمّع في باب الدريب وكرم الزيتون والوعر, وأما المسيحيون ففي زيدل وفيروزة, ويعود السبب في هذه الهجرة إلى البحث عن الرزق والحياة الأفضل, فالمثل يقول ( محل ما بترزق اِلزق ), كما توجد أعداد كبيرة في مناجم الفوسفات وهؤلاء ما إن يُحالوا على التقاعد حتى يعودوا إلى القريتين, وهناك عائلات سكنت الفرقلس ( كآل غصن وصليبي وحبيجان والسعد والحسن والقطّاش...) واستوطنت فيها منذ زمن لا بأس به.
وبالمقابل فقد هاجر إلى القريتين بعض البدو, وتزوجوا من بناتها, واستقروا فيها حتى أصبحوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والبشري للقريتين, ومن هنا جاءت تسمية حارة في الحي الجنوبي باسم حارة العرب ( البدو ), فعلاقات أبناء القريتين مع البدو ولاسيما الرولة علاقات ممتازة ومصاهرة, والاحتكاك بالبدو له تأثيره الاجتماعي والاقتصادي .
رابعاً: تقسيم العمل:
بالرغم من وجود تعاون بين الرجل والمرأة ضمن الأسرة في القريتين, ومساعدة المرأة لزوجها في الأعمال الزراعية, فإن هناك أعمالاً تخص الرجل وأخرى تخص المرأة لا يجوز المساس بها.
فالرجل يقوم بعملية الفلاحة والعذار والتقليم (الشفاية والزبار) ورش الكبريت والسقاية... إلخ, أما المرأة فتساعده في تفتيت الكدر ( التطبيش ) بعد عملية العذار و في رش الكبريت وفي العزق (اقتلاع الأعشاب ) والتسميد وزراعة الثوم والبصل وقطاف العنب وتحويله إلى زبيب, كما تذهب معه إلى الحصاد والرجاد والدراس, فهي إلى جانب الرجل تقاسمه هموم الحياة ومصاعبها, كما أنها حريصة على بيتها وأولادها فهي ربة منزل من الطراز الأول, ولا تهدأ خلال اليوم, مكافحة ومخلصة لزوجها وأم مثالية, وهي أول من يستيقظ في الأسرة, حيث كانت مسؤولة عن تأمين المياه للشرب من القناة أو النهر, وهي التـي تصنع الخبز سواء على التنور أو الصاج, وتقوم بحلب الحيوانات وترويب الحليب, وتصنع الجبن والكشك والسمن والمكدوس, وهي مسؤولة عن إعداد وجبات الطعام ونظافة البيت والأولاد كثيري العدد, وترميم البيت من طين وحوارة, وكان ذلك كله يتم على يديها فلا فرن آلي ولا غسالة ولا شبكة مياه ولا كهرباء, أما حالياً فقد نعمت المرأة في القريتين بهذه الأمور, وأصبحت مرتاحة جداً في بيتها مقارنة بالنساء سابقاً, وحقاً لقد انتقلت المرأة في القريتين من حياة الشقاء إلى حياة النعيم.
أما الصغار فكانوا يساعدون ذويهم في أعمالهم ولاسيما في تربية الحيوانات (الرعي) وجمع الحطب مع أمهاتهم, وكذلك بعض الأعمال الزراعية البسيطة, أما حالياً فلم يعد لهؤلاء الصغار سوى القراءة والكتابة والالتزام بمدارسهم حيث التعليم الإلزامي في مرحلة التعليم الأساسي.
سابعاً: مصادر المياه:
حالياً شبكة المياه العائدة للحكومة والتي وصلت إلى كل بيت في القريتين, وقد دشن مشروع المياه أثناء حكم الوحدة بين سورية ومصر في صيف عام 1960م , وأنجزت الشبكة بشكل كامل عام 1965م, وتم تجديدها وتوسيعـها في السنوات الأخيرة, أما سابقاً فالأمر مختلف حيث اعتمد الأهـالي فـي تأمين مياه الشـــرب من القـناة الواقعة في جنوب القريتين والتي تســـقي أراضي حتران ( 11), و من مياه نهر وادي العين, فبالنسبة لمياه القناة المشهورة بمياهها العذبة والنقية والتي تغنى بها المطربون الشعبيون والفتيات في الأعراس بقولهم:
لقد كانت النساء والفتيات يذهبن يومياً إلى القناة في الصباح والمساء, ويملأن جرارهن بهذه المياه العذبة وكان طريق القناة له أهميته, فالشاب الذي يريد البحث عن شريكة حياته ورؤيتها ما عليه إلا أن يذهب إلى طريق القناة, ومما يؤسف له جفاف هذه القناة, فقد كانت مياهها أعذب مياه في القريتين ولاسيما للشرب والشاي, وسبب جفافها يعود إلى كثرة الآبار التي حفرت في تلك المنطقة (بعض هذه الآبار تشبه مياهها مياه القناة نوعاً ما ), كما يعود إلى التحولات التي طرأت على مناخ المنطقة حيث الجفاف وقلة الأمطار.
أما بالنسبة لنهر وادي العين والتي تنبجس ينابيعه من بين الصخور الكلسية, فقد كانت النساء يملأن جرارهن منه ولاسيما ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس حيث تكون مياه النهر نقية وباردة وصافية كالزلال كما يقولون وكن يضعن حوايا ( جمع حوية ) على رؤوسهن, والحوية خرقة أو قطعة من القماش تلف بشكل دائري كالكعكة تضعها المرأة فوق رأسها عند حمل شيء ثقيل كالجرة أو طنجرة كبيرة أو طاحون الجرش وذلك لتحميه من الاحتكاك بما تحمله مما يمنع الأذى عنه, الصورة رقم ( 91 ) وكان المكان المفضل لملء الجرار من الســــــــاقية التي تمر إلى الشــــــــــرق من الجامع الشـــــرقي ( رجال العمري ) لقربها, كما أنه المكان المفضل لغسل الثياب والصوف عند النساء يومياً, ولمعرفة أخبار كل بيت في القريتين فهنا ملتقى النساء والأخبار.
وقد كانت بعض النساء الفقيرات ـ ولاسيما اللواتي يربين الأيتام ـ يأتين بمياه القناة براويتين كبيرتين على حمار ويبعنه للأهالي يومياً ( الراوية هي قربة كبيرة لنقل الماء ).
هذا وكثير من بيوت القريتين لا تخلو من بئر عادي كما ذكرنا سابقاً, فقد كانت مياهها تسحب بالدلو المربوط بحبل على بكرة وهو الغالب أو بواسطة كباس يدوي, ومعظم مياه هذه الآبار لا تخلو من مرارة ( مهجة كما يسميها الأهالي ) فهي تصلح للاستخدامات المنزلية عدا الشرب. وبعض الآبار له شهرته مثل جب حارة عمرو, والذي كان يخدم كل عائلات هذه الحارة وغيرها.
وهذه الآبار حفرت بطريقة يدوية بواسطة القزمة ( القضمة ) والإزميل والمهدّة في الطبقات الصخرية القاسية كما استخدمت المجرفة والقفة المربوطة بحبل على محالة أو أسطوانة متحركة يدوياً تدور في أعلى البئر تدعى السربس.
وبالنسبة لتبريد المياه فقبل دخول الكهرباء والبرادات كانت المياه توضع بأوان فخارية, فإن كانت هذه الأواني صغيرة سميت قلالاً (جمع قلة) أو شربة كما في الصورة رقم ( 92 ), وإن كانت وسطاً سميت جراراً (جمع جرة) والجرة على جانبيها ما يسمى الأذان للإمساك بها وهي ضيقة من الأسفل والأعلى, وإن كانت كبيرة دعيت بالخابية (جمعها خوابـي), وهذه الأواني الفخارية .تجلب من المدن ولاسيما من حمص .
الصورة رقم ( 91 ) بنات من القريتين يحملن الجرار على رؤوسهن وعليها الحوايا
الصورة رقم ( 92 ) قلّــة ماء من الفخار
الصورة رقم ( 93 ) المزملة الديرية
ثامنا:ً أدوات الإنارة:
حالياً دخلت الكهرباء كل بيت حتى أنها دخلت منطقة المزارع والكروم, والكهرباء دخلت القريتين في 1/1/1958م, وهي من أوائل المناطق التي أنيرت بالكهرباء في محافظة حمص, فقد تأسست فـي القريتين شركة من قبل أبنائها 1956م تحت اسم ( شركة كهرباء القريتين والمشاريع العمومية المساهمة المغفلة ) ويعود الفضل فـي تأسيسها لأبناء القريتين عموماً وللمرحوم محـمد حسن الشبلخ ( أبو فريد ) خصوصاً حيث امتلك الكثير من أسهمها بماله, وقد تم تأميمها في 13 / 1 / 1965م. الصورة رقم ( 94 ) .
كان الســــــــــــــكان قبل دخول الكهرباء إلى القريتين يستخدمون في إنارة بيوتهم الفوانيس ( جمع فانوس ), ويستخدم غالباً للتنقل بين الغرف حيث يحمل باليد, كما يستخدم في سقاية الكروم ليلاً حيث لا يؤثر الهواء فيه, وفي داخل الغرف نجد السرج (جمع سراج) والشمعدانات, ويعد الشمعدان من أجمل أدوات الإنارة ويستخدم حالياً للزينة في غرفة المضافة (المنزول), الصورة رقم ( 95 ) وهذه الأدوات جميعاً تعمل على زيت الكاز كما استخدم الإنسان الضوايات, وهي تشبه الإبريق ولها فتيل .
الصورة رقم ( 94 ) محـمد حسن الشبلخ أبو فريد ( 1918 – 2004 م )
كما استخدم ابن القريتين اللكس الذي وقوده زيت الكاز وفيما استخدم الغاز كوقود أثناء انقطاع التيار الكهربائي, واستخدم الإنسان الشموع أحياناً .
وقد كانت شوارع القريتين قبل دخول الكهرباء تنار بفوانيس كبيرة تشرف عليها البلدية ولها موظف مسؤول عنها ( الدومري ), فالبلدية في القريتين قديمة تعود إلى عام ( 1925م ).
صورة رقم ( 95 ) السراج والفانوس والشمعدان
8- الكَمْأة: فطر كروي يشبه البطاطا, في أسفله صرة تنتهي بخيوط دقيقة, يستمد بواسطتها الماء والغذاء من التربة, وتكون في سنوات الخير وضمن شروط لا بد من توفرها حتى تنمو, ومن هذه الشروط نزول المطر في الهريف ( مطر وسمي ) والخريف, وفترة الهريف تكون في بداية الخريف أي في شهر أيلول وبداية تشرين الأول, ولابد من وجود الرعد والبرق المترافق مع المطر, فالكمأة هي بنت الرعد كما يقولون, ولابد من تتابع الأمطار خلال كانون الأول وكانون الثانـي, والكمأة لها موسم معين يبدأ من شهر شباط وحتى موسم الحصاد, ولذا يقال في المثل: ( أولها شباطية وآخرها حصادية ).
وليس كل أرض تنمو فيها الكمأة, فلا بد من وجود وسم معين ( جريد ) يدل على وجودها, وهذا الوسم هو نبات بريّ أوراقه صغيرة يعرفه الكمّاي بسهولة. الصورة رقم ( 111 ) .
ويسبق موسم الكمأة غالباً موسم الفطر, وهو أسرع نمواً منها, ويمكن في بعض السنوات أن تجد الفطر في نيسان إذا هطلت فيه الأمطار, كما يسبقه وجود الهـَوْبـَر ( بنات أوبر بالفصحى) وهو فطر ذو قشرة سوداء, مدته قصيرة, وقد يصل عدد الهوبر في المقلع أو الجب الواحد إلى عشرات الحبات الصغيرة, وطعمه دون طعم الكمأة, ويلجأ الكمّاي إليه عندما يفلس من الكمأة, ويترافق موسمه مع موسم الكمأة, وأهل الخليج والبدو يطلقون على الكمأة اسم الفَقْع.
والكمأة أنواع منها البيضاء والزبيدية والحمراء والسوداء, الصورة رقم ( 112 ) والبيضاء أقل تماسكاً وأكبر حجماً, ويسمى الكبير منها شيخاً, وقد يصل وزنها إلى ثلاثة كيلو غرامات لو تركت في الأرض وتتابع هطول المطر عليها, وللعثور عليها يخرج الكمّاي منذ الصباح الباكر ومعه أداة تسمى (الحفّار ) وهو عبارة عن عصا خشبية بنهايتها قطعة معدنية ذات رأس مدبب لقلعها.
ويقوم الكمّاي بالبحث عنها من خلال وجود تشققات في الأرض أو نهوض وبروز فيها, وأفضل أوقات البحث عنها في الصباح وقبل غروب الشمس, وأحياناً تكون الكمأة مخفية ويصعب العثور عليها, وسببه طبيعة الأرض فمثلاً قد تكون تحت الحجارة أي ضمن محجرة, أو ضمن نبتة تدعى (عزقة ), أو في أرض رملية, وهذه الكمأة تدعى بالمخفية, وهنا يصبح للحفار دور هام فإذا وجد ارتخاء فـي الأرض دل ذلك على وجودها, وقد تتواجد الكمأة مرة ثانية في مقلعها إذا تركت صرتها أو الخيوط المتصلة بها في الأرض ورويت بماء المطر مرة أخرى, وتكون هنا ثقيلة الوزن, ولذا تطلب فـي مقالعها بعد المطر, والكمأة تحتاج إلى جهد ومشقة وتعب من الكمّاي ولكن العثور عليها ينسيه كلّ ذلك ويجعله يخرج فـي اليوم التالي للبحث عنها, الصورة رقم ( 113 ), وغالباً ثمن الكيلو غرام من الكمأة أضعاف قيمة كيلو غرام من اللحم, ويعود السبب إلى قلتها من جهة وطعمها اللذيذ من جهة أخرى, وهي تؤكل مســــــــــــلوقة ومشوية ومقلية, وماؤها شفاء للعين كما ورد في الحديث الشريف ( 15).
صورة رقم ( 111 ) كمأة نهضت وأصبحت واضحة وحولها وسمها ( الجريد )
صورة رقم (112) تبين أنواع الكمأة
الصورة رقم ( 113) كمأة القريتين بمنطقة المحسة في مواسم الخير( 16 )
عاشراً: الحرف والصناعات التقليدية :
كانت بعض الحرف تنتشر في القريتين, و نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
1 - حرفة النسيج : كانت وما زالت هناك أنوال خشبية / يدوية / لنسج العباءات من وبر الجمل, وما زال البعض يقومون بنسجها بالرغم من قلة الجمال, فهم يقومون بتنظيف الوبر ونفشه وصبغه وعملية تحويله إلى خيوط ضمن مقاسات متعارف عليها 60 ـ 80 وهكذا, ومن ثم نسجه على أنوال خاصة وتخييط العباءة, ووضع الخرج ( التطريزات ) عليها بشكل يدوي, والعباءة إذا كانت ناعمة تسمى مزوية. ويذكر الباحث الدكتور عماد الدين الموصلي في كتابه ربوع محافظة حمص بين الماضي والحاضر والمستقبل: ( إن إنتاج العبي في حمص كان في الماضي يقارب الـ 25000عباءة في السنة، وكان أبناء القريتين أشهر صناع العباءة في هذه المدينة, يليهم أبناء صدد والحفر, واختصت هذه القرى بصناعة العباءة الرعيانية المقلمة والعباءة الحمراء المصنوعتين من وبر الجمال والصوف على الأنوال الخشبية, أما إنتاج المحافظة الكليّ من هذه العباءات القطنية والحريرية فقد كان يتجاوز الـ 50000 عباءة في السنة شغل يدوي ) ( 17 ), وتوجد حرفة نسج البســــــــــــط ســــــواء من الصوف ( المرقومة ) أو من شعر الماعز أو من الشراطيط, وما زال هناك من يمارس هذه الحرف أيضاً مثل إبراهيم خزعل أبو فراس ( الصـورة رقم 114 والصورة 115والصورة رقم 116 ), وكان في القريتين أنوال للسجاد اليدوي سواء عند الأهالي بشكل قليل أو في الوحدة الإرشادية المتوقفة عن العمل .
الصورة رقم ( 114) تبين عملية لف الخيوط قبل النسج
الصورة رقم ( 115 ) تبين عملية نسج العباءة من وبر الجمال
الصورة رقم ( 116 ) تبين عملية نسج العباءة ( المزوية ) من قبل
إبراهيم خزعل أبو فراس ( الأخرس )
2- صناعة الدبس: كانت في القريتين ثلاث معاصر, وأصحابها هم (عبد المنعم الحميد ومحـمد سعيد الحاج علي وجرجس الدباس ) ولم يبقَ سوى معصرة الدباس, وطريقة صنع الدبس هي:
يؤخذ الزبيب إلى المعصرة ويتم هرسه, وكان في السابق يهرس بواسطة رحى حجرية كبيرة الحجم متحركة تدور فوق الزبيب تدعى ( المدار ) وفي مركزها ثقب واسع فيه محور خشبي طويل يحركه فوق مصطبة دائرية مجوفة يوضع عليها الزبيب , ويحركه حمار غالباً , وأما حالياً فيتم هرسه بآلة كهربائية, وبعد ذلك ينقل الدريس إلى غرفة وتوضع الحوارة بين طبقاته لامتصاص الحموضة حتى يجف ويصبح صلباً, وقد يضاف إليه التين المجفف ( المسطوح ), والأفضل دبس الزبيب الخالص (100%), ويضاف إلى الزبيب التبن كي لا يلصق ويسمى بالدريس, ويترك لمدة تتجاوز الأسبوعين كي يتم تخميره, ومن ثم يفت بفأس أو بقدوم إلى قطع صغيرة وينقل إلى أوعية كبيرة من الفخار تدعى (التيغار),ويرتفع عن الأرض محمولاً على أعمدة خشبية وفي أسفله يوضع نبات يدعى (العرن) وهو بمثابة فلتر, حيث يضاف الماء إليه ويغمر به وينقع مدة أربعة أيام , ويجمع السائل الراشح تحت التيغار بأوعية أخرى حيث توجد فتحة في أسفل التيغار, وهذا السائل أو العصير يسمى ( الجلاب ) وهو حلو جداً, ثم يؤخذ الجلاب إلى وعاء نحاسي كبير لطبخه الصورة رقم (117 ) معتمدين في ذلك على موقد كبير وقوده الحطب أو القصرينة المخلوطة بالمازوت وحالياً المواقد تعمل على المازوت فقط, حتى يتحول الجلاب إلى دبس كثيف القوام مع تحريكه بعصا خشبية, ومن ثم يتم تبريده ويسكب في طناجر نحاسية أو جرار فخارية , وحالياً يوضع في أوعية بلاستيكية . ( الصورة رقم 118 ) .
لصورة رقم ( 117 ) الجلاب يطبخ ليتحول إلى دبس
الصورة رقم ( 118 ) الدبس يوضع في أوعية بلاستيكية
ولقد ذكر لـي صاحب معصرة الدباس بأن كمية الزبيب التي تطبخ سنوياً في القريتين وخارجها تصل أحياناً إلى ثلاثين طناً, وأن دبس القريتين مطلوبٌ ومرغوب, فقد تمّ إرسال كميات منه إلـى لوس أنجلس في الولايات المتحدة, ويعد دبس القريتين من أفضل أنواع الدبس في سورية لشدة حلاوته ولذة طعمه, وهو طعـام شعبي كثيراً ما تضاف الطحينة إليه مما يعطيها طعماً لذيذاً , الصورة رقم ( 119 ) وله شهرته داخل سورية وخارجها ولذا ثمن الكيلوغرام منه دائماً أغلى من مثيله المصنوع في المناطق الأخرى, وهذا معروف في كافة الأسواق, وكان البعض في السابق يحول عنبه الأسود إلى نبيذ وحالياً أنتهى ذلك, وكانت النســــــــــــــــاء يقمن بطبخ حبات العنب الحمراء وتحويله إلـــــــى ما يشبه المربـى ويدعى ( اللغاف).
الصورة رقم ( 119 ) الأولى دبس القريتين والثانية مع الطحينة
3- حرف أخرى: وجدت في القريتين حرف ضرورية مثل تبييض الأواني النحاسية ويدعى من يقوم بها ( المبيّض ), وقد مارسها ابن القريتين وربما ورثها عن أبيه ولذا أطلق لقب المبيض على العائلة فدعي بالمبيض أو سليم المبيض وكان محله في بيته مقابل كنيسة الكاثوليك كما هو مبين في المخطط الكروكي في الصفحة ( 72 ) فالنحاس مع كثرة الاستعمال والطبخ والحرارة، يتأكسد ويكوّن مادة الجنزار النحاسي ، وهي سامّة وتؤذي الإنسان في حال خلطت مع الطعام أثناء الطهي، فيجب تبييض الأواني النحاسية كل سنة تقريباً .وفيها يقوم المبيض بتسخين الأواني النحاسية على النار وتنظيفها من الشوائب والأوساخ بيده يفركها بالرمل أو بقدميه مستخدماً قطعة من الجلد حتى تنظف تماماً ثم يذيب القصدير مع النشادر على القطعة النحاسية وهي ساخنة, ويفركهم بيده اليمنى بقطعة من القطن وبيده اليسرى يلقط القطعة بملقط كما هو مبين في الصورة رقم ( 120 ) , واستخدم الأسيد ومادة روح الملح وإذا دخلت دكان المبيض تجد أدواته البسيطة أهمها فرشاة معدنية وقطن ومادة القصدير والأسيد والرمل والفحم .
الصورة رقم ( 120 ) حرفة تبييض الأواني النحاسية
ومن المهن التي اندثرت إصلاح البوابير واللكوسي وقد كانت منتشرة وضرورية, وهي مهنة وقد تخصص بها دون غيرها قاسم السماعيل ( الشمة ) أو مارسها إضافة لمحل السمانة مثل محمد علي الحميد , فقد كان بابور الكاز ماركة ( بريموس ) ( 18 ) منتشراً في كل بيوت القريتين بل والعالم, فلا تجد بيتاً وذلك خلال النصف الثاني من القرن الماضي إلا وفي مطبخه البابور, وربما ظهر في بيوت القريتين وبدأ انتشاره في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي وكان ظهوره في البداية دليل رقي العائلة, وشيئاً فشيئاً حل محل الموقدة فهو اكثر راحة وأسرع وأنظف إذا ما قارناه بها, ومن هنا أصبحت مادة الكاز من مستلزمات البيت لا غنى عنها, وقد ارتاحت المرأة من نار الحطب والنفخ والرماد ورائحة الدخان , وكم كان مزعجاً لأهل البيت إذا لم تكن نار البابور متوهجة ويشـــــــــــــحور فعندهــــــــــــــــــــــــــا يحتاج إلى نكش فالته ( بالنكاشة ) صورة رقم ( 121 ) من قبل أهل البيت , وإلا فلا بد من إصلاحه عند مصــــــــلح البوابير ( السمكري واستخدام هذه الكلمة قليل جداً في القريتين ) الصورة رقم ( 122 ) فمثلاً إذا أصابه عطل كانسداد رأسه ( طربوشه ) فيحتاج إلى نفضه بتسخينه واستخدام المنفاخ ,فمصلح البوابير كالمهندس الميكانيكي له مكانته, وهذه المهنة اختفت بسبب انتشار مواقد الغاز وأصبح البابور قطعة من التراث الشعبي يقتنى للزينة والذكريات أو ربما أعادت له الأيام قيمته وأيام مجده الغابر .
الصورة رقم ( 121 ) الأولى نكاشة بابور والثانية بابور وهو شغال
الصورة رقم ( 122 ) مصلح بوابير يقوم بنفض رأس البابور بالمنفاخ المعد لذلك
وحرفة النجارة فقد اشتهرت بها عائلات معينة كآل باكير والغريب والخوري ( الأخرس ) حيث مارسها آباؤهم وأولادهم من بعدهم , والحدادة واللحام وأشهر من مارس هذه الحرفة شخص قدم من صدد وسكن في الحي الشمالي بالقريتين هو مطانس حنون ( انجاص ) وابنه عزيز وكانت لهما شهرة بصناعة الأبواب والشبابيك وخزانات المياه الكبيرة لسقاية الأغنام وازدادت شهرتهما بصناعة المدافئ وكانت بحجمين,وهي تشبه المدافئ اليبرودية, وقد تميزت هذه المدافئ بالمتانة والجودة ووجود فرن رائع في الحجم الكبير وذلك في بداية ستينيات القرن الماضي وكان يكتب علي باب المدفأة حفراً ( شغل مطانس حنون حمص القريتين ) . وقد عرفت القريتين مهنة تصليح الساعات ( الساعاتي ) وممن أشتهر بتصليح الساعات وأصبح يلقب بها وغلب على اسمه عبد العزيز الدخان ( عزيز الساعاتي ) ومحـمد القاسم ( أبو عصام الساعاتي ) وقد مارسها في تدمر ثم في القريتين, وحرفة صناعة الأحذية وإصلاحها ومن أشهر من مارسها آل السعد سابقاً وآل السطاح الذين استمر أبناؤهم في ممارستها حتى الوقت الحاضر, وكان يأتي إلى القريتين في كل عام رجل من حمص معه آلة لشحذ السكاكين والمقصات والمناجل وغيرها, و يدور في الشوارع ومعه آلة يدوية يحملها على ظهره ولها قاعدة خشبية ( دواســــــــــــــــــــــــــــة ) يضغط عليها برجله فيتحرك دولاب عليه قشاط من الجلد الذي يحرك قرص الجلخ ( المسن ) , وكان يصيح ( مجلخ ... مجلخ .. مجلخ سكاكين ومقصات .. مجلخ مناجل ) صورة رقم ( 123 ).
صورة رقم ( 123 ) آلة يدوية لجلخ السكاكين والمقصات
وكان يأتي إلى القريتين أيضاً صانع أو مفتل الشعيرية من حمص مرة واحدة في العام بعد موسم الحصاد ومعه آلته أو ماكينته اليدوية ويدور في شوارعها وهو يصيح ( شعيرية .. مفتل الشعيرية ) الصورة رقم ( 124) وتتألف آلته من اسطوانة يتم وضع العجين المضاف إليه الزيت غالباً أو السمنة بها ويضغط بواسطة محور من الأعلى وفي أسفل الاسطوانة غربال من حديد تنزل منه الشعيرية حيث تقوم بنشرها النساء على السطح كي تنشف وتجف .
الصورة رقم ( 124 ) آلة مفتل الشعيرية
وقام بعض الحلاقين بمداواة الأسنان وقلعها وذلك قبل افتتاح عيادات طب الأسنان وأشهر العائلات التي مارست هذه المهنة آل شحادة الحلاق وأشهرهم رشيد الشحادة ( الحلاق ), كما قام بعض الحلاقين سابقاً بعملية ختان الأطفال, وقام النَوَر ( القرباط ) بتركيب الأسنان وتلبيسها بالذهب وغيره من المعادن, كما قاموا بصناعة الغرابيل ( جمع غربال ) والغربال يتكون من طارة خشبية دائرية بقطر نصف متر تقريباً بخيطان مجففة مأخوذة من أمعاء الماعز أو الخراف أو من الجلود ولا سيما جلد الجمل تنسج على شكل شبكة , وهو يختلف عن المنخل فالمنخل يستخدم لتنقية الدقيق ( الطحين ) من شوائبه وشبكه إما أن يكون من النحاس أو الفولاذ والثقوب فيه صغيرة جداً بعكس الغربال، الصورة رقم ( 125 ) .
الصورة رقم ( 125 ) المنخل والغربال
والغرابيل أنواع وأحجام مختلفة بحسب حجم فتحاتها ولكل منها استخدامه الخاص فمنها ما يسمى الكربال وفتحاته أكثر اتساعاً, وتسمح الكربلة بنفاذ الحبوب والأتربة والحصى الصغيرة، بينما تحتفظ بالشوائب الأكبر، كالحصى والقصل, وهناك المسرد ومنه الناعم والوسط والكبير ويستخدم لتنقية الحبوب من الشوائب والزوان والتراب والحصى الصغيرة, ونادراً تجد منزلاً في القريتين لا يوجد فيه غربال، فهو من الأدوات التراثية وأكثر ما يستخدم في فصل البرغل الناعم عن الخشن عن الحرابة, والنَوَر ( الغجر ) كما يقول الدكتور عادل عبد السلام في كتابه جغرافية سورية في الصفحة 516: ( مجموعة من السكان... متنقلة أو ضاربة خيامها قرب القرى أو حول المدن وحتى قرب المضارب البدوية الكبرى... وسائط نقلهم الحمير, وخيامهم مصنوعة من الخيش, وهم يعيشون متطفلين على سكان الأماكن التي يحلون بها, ويمارسون مهناً وصناعات بسيطة قليلة الأهمية, ويزعمون أنهم من قوم جساس, ويتكلمون لغة خاصة بهم إلى جانب اللغة العربية, وهي خليط عجيب من اللغات المختلفة... فيها مؤثرات تركية – فارسية – سلافية – كردية وعربية وغيرها...)( 19 ) وكان البيطار الذي يحذي الخيل إلا أن هذه الحرفة انتهت نهائياً, ولم يعد لها وجود مطلقاً سوى أنها لقب لعائلة في القريتين, فاللقب بقي والحرفة زالت.
وكان هناك من يقوم بنحت الحجارة الكلسية من أجل البناء (النحيت), وفي الغالب هو البنّاء, وقام أبناء القريتين بأخذ القلو من رماد الشنان ( الأشنان ) الأخضر ( 20) وكان يستخدم كمنظف, أو ينقل ويباع لمصانع الصابون, كما احترف البعض التجارة سواء داخل القريتين أم خارجها مع البدو حيث من يتاجر مع البدو يسمى (طلاّع عرب), ووجد الفرّاء الذي يصنع الفِراء (جمع فروة) والفروة لباس شتوي مصنوعة من الفرو تمنح الانسان الدفء، وتبدأ صناعة الفروة من جلود الأغنام لقوتها ومتانتها ويكون ذلك بغســـــــــــــــــــل الجلد وتمليحه لتعقيمه وتجفيف بقايا اللحم الملتصقة به , الصورة رقم ( 126) ويعرض لأشعة الشمس لبضعة أيام حتى يجف بشكل كامل وتأتي بعدها عملية (الشبّة) والشبّة هي حجر بلوري من الأملاح الطبيعية شفاف لا لون له، وهي ذات طعم حامضي يميل إلى الحلاوة، استخدمها الحلاقون لتخفيف النزف الناتج عن الجروح أثناء الحلاقة, وهي تمنح الجلود طراوة ومرونة وليونة تساعد في جعل الجلد كالقماش قابلاً للخياطة كما تمنع تعفنه وتزيل رطوبته, ثم يبشر الجلد (عملية التقشير) بأداة حادة تشبه المنجل حتى يصبح رقيقاً وقابلاً للخياطة ويستغرق ذلك يدوياً من 25 يوم وحتى الشهر تقريباً الصورة رقم ( 127 ) .
الصورة رقم ( 126 ) مرحلة تمليح الجلود
وكلما كان الجلد لشاة صغيرة في عمرها كان الجلد وصوفه أكثر نعومة وكانت الفروة أفضل وأغلى وأمتن وأدفأ ويشتريها الأغنياء والشيوخ ويتباهون بخفة وزنها وغلاء ثمنها وتعد هدية ثمينة بعكس الفروة المصنوعة من جلد الشاة الكبيرة في العمر فهي أرخص ويشتريها الفقراء والرعيان.
الصورة رقم ( 127 ) مرحلة بشر وتقشير الجلود
وتأتي بعد عملية البشر وتقشير الجلود مرحلة التفصيل والخياطة, وتبدأ بقص الجلود وتفصيلها, الصورة رقم ( 128 ), ومن ثم توصيلها مع بعضها يدوياً حتى تتخذ في النهاية الشكل التقليدي للفروة الصورة رقم ( 129 ) وبعدها مرحلة التقبيب ( المظهر الخارجي ) والتخريج, الصورة رقم (130) . وأجود أنوع الأقمشة الجوخ الإنكليزي, والأسود هو اللون الدارج والمطلوب سابقاً وحالياً يمكن أن تجد ألواناً مختلفة مثل البني والبيج والكحلي , ولكن تبقى الجودة الأصلية لنوع الجلد , وهناك الإبطية تشبه الفروة من حيث أنواع القماش والتصميم إلا أنها بدون أكمام ولا يتعدى طولها خصر الشخص وقد مارس مهنة الفراء محـمد خالد البخيت أبو خالد وصبحي الطالب أبو أحمد رحمهم الله.
الصورة رقم ( 128 ) مرحلة قص وتفصيل الجلود
الصورة رقم ( 129 ) مرحلة خياطة الفروة يدوياً
الصورة رقم ( 130 ) الفروة وضعت لها القبة وأصبحت جاهزة للبيع
ووجدت حرفة التصوير الشمسي وأول من مارسها عبد الكريم الياسين وذلك في بيته وغلب اسم المصور عليه وعلى أهل بيته . الصورة رقم ( 130 ) وفيما بعد افتتح الرسام مصطفى الشباك أول استوديو وأسماه ( استديو الريف ) ،وقد عرف برسم اللوحات الزيتية وتكبير صور الكثير من أبناء القريتين باستخدام شبكة من المربعات وأقلام الرصاص والفحم وقد شاهدته وهو يرسم بهذه الطريقة حيث يقوم بتقسيم صورة الشخص إلى شبكة من المربعات ثم يقوم بتكبيرها على ورقة ( من الورق المقوى ) وكان يهتم كثيراً بتوضيح العينين من خلال تقسيم المربع إلى أجزاء أصغر.
الصورة رقم ( 131 ) حرفة التصوير الشمسي
الصورة رقم ( 132 ) مصطفى الشباك صاحب استديو الريف رحمه الله
وهناك الخياطون الشعبيون الذين يخيطون اللباس العربي للرجال والبرادي والخياطات اللواتي يخطن للنساء ومن أشهر الخياطين نعيم السلامي والأخوان حسن وحسين الغالي رحمهما الله وكان الأول بالإضافة إلى خياطة اللباس يخيط البرادي والمساند والمجالس العربية ومن الخياطات المشهورات في القريتين بتفصيل التنورة القروانية عدلة المنصور والخرساء بنت الشيخ عبد المجيد, وهناك الدايات ( جمع داية ) قبل أن توجد القابلات القانونيات ومن أشهر الدايات أم عبد الله زوجة حسين الكناوي وكحلة الدخان , وأول القابلات القانونيات اللواتي درسن هذا الاختصاص الهام ومارسنه أمل محـمد سعيد الحلاق والمرحومة غادة سامي أبو غليون, ووجدت نساء ورجال اختصـــــــــــوا بمعالجة بعض أمراض العين, فقد اختص البعض بإخراج الرمــــــــــــــــــــــــــــل أو ما يقع في العين ( الوقع ), ولقد عجز أطباء العيون في المدينة من معالجة ذلك الشاب أحمد الذي شكا من عينيه من وقع فيها ولاسيما الرمل دون جدوى, فقام بإحضار رجل مشهور في معالجة العين من أبناء القريتين ( يدعى خالد الغزالة ) , حيث قام بوضع رأسه على فخذه وبمكعبات من السكر أخرج هذه الرمال من جفونه الداخلية وشفي تماما, وكانت هناك عائلة اختصت بتجبير الكسور ومعالجة الرضوض وهم آل الضاهر, وسيأتـي الحديث عنه في حينه أي في الجزء الثاني إن شاء الله .
4- وفي القريتين تقوم النساء ببعض الصناعات الريفية مثل صناعة دبس الرمان حيث يغلى عصيره حتى يتم تركيزه وله شهرة, ودبس البندورة حيث يعصر الناضج منها ويعرَّض العصير إلى حرارة الشمس من أجل عملية تركيزه, وصناعة المربيات كمربى المشمش والقرع والتين والباذنجان واللغاف والمكدوس ويقال أن أول من أدخل المكدوس إلى القريتين هم آل جبور, وكان يتم تناوله كمقبلات فقط, وطريقة صنعه تتم يسلق الباذنجان الحمصي ( البنفسجي ) ويصفى من مائه ويحشى بالفليفلة الحمراء الحارة والجوز والثوم وبعد أيام يوضع عليه الزيت الصورة رقم ( 133 ) .
الصورة رقم ( 133 ) المكدوس وحشوته
وصناعة الألبان وقريشة الجبن والشنكليش من القريشة بعد تمليحها وإضافة البهارات إليها, وصناعة الجبن باستعمال المنفحة ( مادة صفراء تستخرج من معدة الحَمَل أو الجَدي مالم يأكل, بها خميرة تُجبّن الحليب ), وصناعة السمن العربي بطريقة يدوية حيث تستخرج الزبدة من الحليب ولا سيما حليب الغنم بعد عملية خضه بالمخضّ ( الشكوة ) لمدة تستغرق ساعتين ومن ثم توضع الزبدة على النار ليستخرج منها السمن العربي, والمخض يصنع من جلد الماعز أو الغنم بعد دبغه وتخييطه, الصورة رقم ( 134 ) .
الصورة رقم ( 134 ) الشكوة ( المخض )
وصناعة البرغل وجرشه وتتم بسلق القمح بعد تصويله بالماء ( فصل القمح عن شوائبه ولاسيما الحصى ) في وعاء كبير يدعى ( جعيلة ), كما هو مبين في الصورة رقم ( 135 ) ثم يؤخذ القمح المسلوق ( السليقة ) بعد نضجه من الجعيلة وينشر على سطوح البيوت عدة أيام حتى يجف, ثم يجرش بعد تبليله بالماء ( التنميش ) ليسهل فصل القشرة عن حبة القمح, وباستخدام الغربال يتم فصل البرغل الناعم عن البرغل الخشن عن الحرابـة, ولكل استخداماته الخاصة, وقد يعاد جرش الحبات الكبيرة , وقديماً استخدمت الطواحين اليدوية في الجرش ثم الطواحين التي تدار بقوة الماء فالنارية التي وقودها المازوت, الصورة رقم ( 136 ) والصورة رقم ( 137 ) ثم ظهرت الجاروشة المتنقلة , وكانت كل بيوت القريتين تقوم بصناعة البرغل أيام الصيف , ولا سيما بعد موسم الحصاد وأشهر هذه الجواريش ( جمع جاروش وجاروشـــــة ) المتنقلة جاروشة أحمد الضاهر ( الحليس ) وجاروشة حسن الســـماعيل أبو فريد, الصورة رقم ( 138 )
الصورة رقم ( 135 ) سلق القمح بالجعيلة
الصورة رقم ( 136 ) الطاحونة الفوقا والتي كانت تدار بمياه نهر وادي العين حيث يرى أثر الساقية ( 21 )
الصورة رقم ( 137 ) طاحونة النار والجاروشة الثابتة
الصورة رقم ( 138 ) جاروشة برغل المتنقلة
وأما صناعة الكشك فلها طقوسها في القريتين قديماً, ويتعاون الجيران أثناء التكشيك من خلال إقراض الحليب ووقت فرك الكشك, وأفضله ما كان مزيجاً من لبن الغنم والماعز ومن البرغل, وكان يوضع في جرار كبيرة من الفخار وبعد مدة لا تقل عن عشرة أيام يتم إخراج الكشك من الجرة, وينشر على رقعة من القماش, ويعرض لأشعة الشمس وقبل أن يجف تماماً أي وفيه رطوبة قليلة تتم عملية فركه بالأيدي حيث تتحلق الفتيات - عندما تكون كميته كبيرة - حول رقعة الكشك, ويقمن بعملية الفرك, ثم ينخل, ثم يفرك وينخل وهكذا, وقد تستغرق عملية فركه ساعات, وهذه الطريقة متعبة ولكن كشكها يكون أطيب وألذ, الصورة رقم ( 139 ) والصورة رقم ( 140 ) .
الصورة رقم ( 139 ) نشر الكشك بالشمس
صورة رقم ( 140 ) فرك الكشك باليد
وفي ليالي الشتاء الطويلة تقوم النساء بنسج قش القمح أو الشعير ( القصل ) على شكل طبق أو طبوقة أو قفورة أو مغمكان, الصورة رقم ( 141 ) والصورة رقم ( 142 ) ويصبغ القش بألوان زاهية ويتم نسجه بشكل منظم ويعطي زخرفة معينة, والأداة المستخدمة في عملية نسج القش هي المخرز فقط, وقد تعلق هذه الطبوقات على الجدران للزينة, وعملية النسج هذه تورثها الأمهات للبنات ( 22 ) . كما قمن بنسج الصوف لأولادهن (كنزات أو جوارب أو لفحات صوفية ... ) أو وسائد دائرية ومستطيلة ومربعة الشكل أو أغطية طاولات أو طواقي للرجال الصورة رقم ( 143 ), وهناك نسوة معروفات في القريتين اشتهرن بمارسة مهنة تنجيد لحف وفرش الصوف والقطن وخيوط الكَــــرّ في بيوتهن دون الرجال وأشهرهن آمنة التدمري المشهورة بأم علي الخالد وبسمة الدعاس (التبارك ) أم حميد القريع أو العليقة وغيرهن ( الصورة رقم ( 144 ).
الصورة رقم ( 141 ) صناعة طبق من القش ويرى في يدها المخرز وفي الثانية طبق القش
الصورة رقم ( 142 ) الأولى المغمكان والثانية القفورة
صورة رقم ( 143 ) لفحة رجالية ووسادة دائرية ووسائد للمجلس نسج يدوي
صورة رقم ( 144 ) لحاف تنجيد يدوي وغطاء طاولة
حواشي وإحالات الفصل الثاني :
1- صورة أُخذت من قبل مستشرقة بريطانية تدعى Gertrude Bellعندما زارت القريتين في شهر أيار عام 1900م, وكذلك الصورة رقم ( 56 ) لمنطقة البيادر 0
2 – أول جرار زراعي ( تراكتور ) دخل القريتين عام 1953 م وقد اشتراه المغترب خالد القطاش لابنه محـمد عندما عاد إلى القريتين من الأرجنتين وقد أمضى في الغربة حوالى 40 عاماً حيث ترك ابنه في المهد , والجرار الزراعي الثاني اشتراه محـمد خالد الســـــماعيل ( الشـــــــلحة ) . وكان نوعهما ماسي فركســـون ( 20 ) صغير massey ferguson to 20 .
الصورة رقم ( 145 ) جرار زراعي صغير ماركة ماسي فركسون ( 20 )
3 – الصورة رقم ( 52 ) هي من ألبوم معلم الحرفة في الثانويـــــــــة الصناعية الأخ والزميل كمال الصالح ( العزيز ) وكذلك الصورة رقم ( 55 ) .
4- إن صيت زبيب القريتين وصل إلى ريف حلب رغم بعد المنطقة, ولجودته يتغنون به, ففي عام 1968 م كان أخي الأستاذ أبو قصي فايز الشلحة يعلّم في إحدى قرى ذلك الريف فسأله أحد كبار السن عن بلده فلما أجابه من القريتين, قال له منتشياً : ( يا زبيب القريتين .. أشقر ما هو حبتين ) وقال له إنهم يتغنون به, ويقصد بقوله ما هو حبتين أي كل حبة لوحدها, وحقيقة يعد زبيب القريتين ألذّ أنواع الزبيب في سورية وربما في العالم وهو مع دبسها من أجمل الهدايا .
5- قسم أجدادنا فصل الشتاء إلى مربعانية ( 40 يوماً ) وخمسينية ( 50 يوماً ) وكذلك فصل الصيف فالمربعانية تبدأ من 21 كانون أول وتنتهي في 30 كانون الثاني ويكون الطقس فيها شديد البرودة وكثير الأمطار على العموم وربما الثلوج , أما الخمسينية فتبدأ من 31 كانون الثاني ولغاية 21 آذار من كل عام وهي أقل برودة وقسمت الخمسينية إلى أربعة أقسام متساوية تدعى بالسعود وكل منها 12,5 يوماً وهي على التوالي سعد ذبح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا, ويبدأ سعد ذبح من أول شباط ولمدة 12,5 يوماً أي ينتهي منتصف يوم 13 شباط, ويصادف سَعْد بُلُع منتصف يوم 13 شباط وينتهي يوم 25 شباط , وسعد السُّعود من يوم 26 شباط وينتهي بمنتصف يوم 10 آذار وضمنه توجد العجايز وهي 3 أيام من آخر شباط و4 أيام من بداية آذار حيث تشتد الرياح والأمطار والمثل فيها يقول إن آذار يخاطب شباط قائلاً : ( شباط يا ابن عمي ثلاثة منك وأربعة مني بنخلي العجوز على المواقد تغني أو توني ) , بينما سعد الخبايا يبدأ من ظهر يوم 10 آذار ولغاية 22 آذار وهنا يدخل فصل الربيع , , وهذه الســـــــــــــــعود من منازل القمر وهي بروج الجدي والدّلو, وهناك ما يســـــــــــــــــــــــمى بالأعياد ولم أرَ أحداً يحتفل بها ( ولكن هكذا يقال ...! ) كعيد الصليب غربي 14 أيلول وشرقي 27 أيلول , وأما عيد الخضر 16 تشرين الثاني, وعيد البربارة في 4 كانون أول من كلّ عام, وعيد الأربعين شاهد بعد 10 آذار من كل عام حيث يقوم الفلاح بعزق أرضه وتقليم أشجاره, ويقصد بالماويّة النسغ, والنُّسْغُ - بالضم - : ماء يخرج من الشجرة إذا قطعت.
6- جزء من دعاء للرسول صلى الله عليه وسلم مروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في كتاب المغني لابن قدامة, ج 2 ص 288 ط 1, دار الفكر, بيروت 1405هـ.
7- الحديث في سنن البيهقي الكبرى ج 3, ص 346, برقم 6190 عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه.
8– تعد الهجرة التي حدثت في العقد الثاني من هذا القرن الـ ( 21 ) أقسى وأصعب هجرة عرفتها القريتين في العصور الحديثة فقد توزع معظم أبنائها في بقاع الأرض ووصلوا إلى مناطق وبلدان لم يتوقعوا الوصول إليها حتى في الأحلام, فهناك الكثير من العائلات نزحت إلى حمص ودمشق وإلى الشمال السوري ولا سيما محافظة إدلب وريف حلب ( كالدانا والباب وجرابلس وفي المخيمات المنتشرة هناك ) وكذلك في محافظة الرقة وغيرها وفي مخيم الركبان على الحدود الأردنية وفي الأردن ودول الخليج كالسعودية وفي لبنان ومصر وتركيا وألمانيا وفرنسا ودول شمال أوربا وحتى الولايات المتحدة وكندا وصلها أبناء القريتين وللأسف إن الكثير منهم قد تهدم بيته في القريتين وخسر مصدر رزقه ووظيفته وقد لا يفكر بعضهم بالعودة إليها والكثير منهم يموت ويدفن خارج بلده .
9-- سفر برلك : مصطلح تركي يعني التهجير أو الترحيل الجماعي, والمقصود هنا السفر براً للحرب, واستخدم هذا المصطلح في الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) عندما قام العثمانيون الأتراك ( الاتحاديون ) بســوق الشباب العربي للحرب فــــي جبهات القتال ضد الحلفاء ( التجنيد الإجباري), وقد عمت بلاد الشام المجاعات والأمراض وغلاء الأسعار وفقدان المواد الضرورية, وكان الشاب يودع أهله معتقدين أنه الوداع الأخير.
10- الصِّيرة والمُراح: جاء في لسان العرب ج 4, ص 443 : ( الصِّيرة حظيرة من خشب وحجارة تبنى للغنم والبقر والجمع صِير و صِيَر ), أما المُراح ففي تاج العروس ج1, ص 1602 نجد ( المُراح بالضم المأوى حيث تأوي إليه الإبل والغنم بالليل ) وكذلك في مختار الصحاح ج1, ص 267.
11- دأب المؤرخون الغربيون ومن والاهم من المؤرخين العرب الذين تخرجوا على أيديهم على نسبة كلّ شيء جميل في بلادنا إلى الإغريق والرومان فقالوا: قناة رومانية, نهج روماني, فن إغريقي... علماً أن أجدادنا العرب هم بُناتها, وهم السباقون في بناء المدن قبل مجيء الغزاة الرومان, فمعابد مصر وإهراماتها والجنائن المعلقة في بابل وزقوراتها ( أبراج مدرجة لرصد النجوم ) وقصور ماري وإيبلا وأوغاريت ومكتباتها والبتراء المنحوتة بالصخر وما حوته تدمر أعجوبة الشرق وسد مأرب وجنّتاه وغيرها الكثير وجدت قبل مجيء هؤلاء الغزاة بمئات السنين, وهي تدل على عراقة أمتنا العربية المجيدة وعظمة أجدادنا العرب, والشيء المؤكد هو أن المناطق التي تمتعت باستقلالها أيام الاحتلال الروماني لبلادنا ازدهرت فيها الحضارة كالبتراء في الجنوب وتدمر في الشرق, وإن وجود الرومان في بلادنا اقتصر على الحكام وكبار الموظفين, وكان همهم جباية الضرائب وتجنيد السكان, وإن وجود آثار عمرانية رومانية في بلادنا تعود إلى اهتمام الأباطرة العرب الذين حكموا روما أمثال كاراكلا ابن جوليا دومنة تلك الفتاة العربية الآرامية الأصل, والحمصية المنشأ والتي أصبحت سيدة روما الأولى, والإمبراطـور فيليب العربـي ( ابن شهبا ), بل كان دور الرومان في بلادنا تدمير هذه الحضارة بكل همجية, وهذا ما فعله أورليان في تدمر عندما دمر هذه المدينة الأعجوبة, وجعلها أثراً بعد عين, بل أخذ الرومان معهم خيرة المهندسين والبنائين في بلادنا إلى روما, وهذا ما فعله المغول فيما بعد عندما اجتاحوا العراق وبلاد الشـــــــــــــــــــــــــــــــــام ودمروا عاصمة الخلافـــــــــــة ( بغداد ) وكل مدينة دنستها أقدامهم الهمجية, وكذلك ما فعله المستعمرون الأوربيون فيما بعد, وما يفعله الغزاة الجدد حالياً في كلّ من فلسطين الحبيبة والعراق الجريح من سرقة آثارنا وتدمير حضارتنا ونهب ثرواتنا.
12- في منطقة المحسّة توجد مصايد ( جمع مصيدة ) للغزلان, رأيت منها اثنتين تطلان عليها, الأولى التي تطل على مديرية مشروع الـمحسّة الزراعي حيث أشــــــــــــــــــجار الزيتون كما هو مبيّن في الصورة ( 96 ), والثانية جنوب الأولى بمسافة قصيرة وعلى السفح الأيمن المطل على الطريق المتجه نحو عنيبة, كما توجد بضع مصايد في منطقة جبل النصرانـي وفي أم صيرة..., وبناؤها يـحتاج إلى جهد وتعب, ولقد تمّ اختيار هذه المناطق وغيرها لتجمع المياه في أوديتها لفترة طويلة ووفرة الأعشاب فيها وخاصة في نهاية فصل الشتاء وخلال فصل الربيع ويقال: إنـّه كان لكثير من العائلات في القريتين مصايد خاصة بها ولا سيما التي تسكن في حارة عمرو.
13- سد القريتين: سد سطحي أقيم على مجرى وادي المحسّة, طوله 350 م وارتفاعه 12م ويخزن 5 مليون متر مكعب من المياه, ومساحة بحيرته 1.4 مليون متر مربع, ويستفاد منه في سقاية المواشي وري المزروعات وتغذية المياه الجوفية وصيد الأسماك.
14- تمت كتابة بحث ( صيد طير الحر ) في خطوطه الأولى بمشاركة من الأخ والصديق محـمد خير العليقة أبو عبدو مشكوراً, وهو يمارس هذه الهواية منذ فترة طويلة.
15- الحديث في صحيح البخاري, ج 5, ص 2159 برقم 5381, وفي صحيح مسلم, ج3, ص 1619 برقم 2049 وهو مروي عن سعيد بن زيد.
16- الصورة لابن القريتين بسام قنوع في نهاية شهر آذار 2020م وهي كماة منطقة المحسة جنوب غرب القريتين .
17 - ربوع محافظة حمص: بين الماضي والحاضر والمستقبل- د. عماد الدين الموصلي, ص 295.
18- أنتج لأول مرة عام ١٨٩٢م في السويد ، وقد صممه وطوره الميكانيكي السويدي فرانك ويلهلم لنكويست وكانت علامته التجارية تحمل اسم Primus (تعني الأول باللاتينية) .ويقال إن بريموس هو اسم بلدة في السويد وهي أول من قام بصنعه في العالم .
19- جغرافية سورية – عادل عبد السلام / جامعة دمشق 1973م.
20- الأشنان ( الشنان ): نبات يكثر في بادية الشام ولاسيما في الأراضي المحيطة بالقريتين, وهو حمضي مفصلي لا أوراق له, ورماده غني بكربونات الصوديوم, وقد استخدمه أبناء البادية- منهم ابن القريتين- وتاجروا به حيث كان يجفف ويدق لتنظيف الأجسام والثياب, فهو صابون العرب قبل صنع المنظفات الحالية وكنا نغسل وننظف به أجسامَنا فنجد فيه النعومة حتى الشعر تجده ناعماً سبلاً, وكانت النساء يضعنه مع الماء على الثياب الوسخة ويستخدمن المخباط قطعة خشبية مستطيلة لها قبضة في تنظيفه ) في ضرب الثياب وتتكرر هذه العملية مع تقليب الثياب ورشق الماء عليها فتتحلل الأوساخ مع انســــــــــــــياب الماء وهكذا يصبح الثوب نظيفاً .. الصورة رقم ( 146 ).
والشنان نبات سامٍ للإنسان والحيوان ولا سيما قبل جفافه ومع ذلك يعد من النباتات الطبية التي تعالج بعض الأمراض الجلديـــة, كما كانت أعواده الرطبة تحرق لتعطي مادة ( كرماد متحجر ) تدعـــــــــــــــــى ( القلو في القريتين أو القلي في المناطق الأخرى ) المستخدمة في مصانع الصابون وفي صناعة الزبيب, وقد كان أجدادنا يتاجرون به فيباع في حلب وغيرها من المناطق التي تشتهر بصناعة الصابون, ويعد الصابون الذي يدخل في تركيبه القلو الطبيعي أفضل وأفخر من الصابون الذي يدخل في تركيبه الصودا الكاوية وقد استخدم القلو كمادة منظفة أثناء غلي الثياب عند تنظيفها.
الصورة رقم ( 146 ) الأولى لنبات الشنان والثانية للمخباط أثناء غسيل الثياب
21- قبل اكتشاف طواحين النار وجدت في القريتين طاحونتان تداران بواسطة مياه نهر وادي العين هما الطاحونة التحتا وهي الأقدم ولم يبق من آثارها سوى اسمها فقط, والطاحونة الفوقا وذلك في قرون ماضية قيل إنها تعود إلى القرن السابع عشر وكانت تتألف من قســــــمين أحدهما أرضي منخفض ( قبو ) فيه عنفات الطاحونة المائية والتي كانت تدور من خلال مياه ساقية وادي العين الغزيرة وذلك على شكل شلال يصب فوق هذه العنفات والقسم الثاني أرضي مرتفع تتم فيه عملية الطحن . وقد بقيت آثارها شاهدة على وجودها حتى بداية القرن الحالي 2007 م . وللأسف أزيلت كأختها دون أي مبرر , وقد وجدت في القريتين عدة طواحين نار وأقدمهن طاحونة أحمد الدريبي في الحي الجنوبي بجوار دار عبدو الأمين الصالح والثانية طاحونة فايز البخيت وفيها عدة شركاء وهي مقابل دار عبد الكريم السليمان الدعفيس ( أبو عدنان ) والثالثة طاحونة محـمد علي الصالح في منطقة القناة وهي الأحدث.
22 – صناعة القش : تبدأ بعد موسم الحصاد وعلى البيادر يقمن النساء بجمع القصل الجيد وهو ما يسمى بـ ( التقصيل ) والقصلة تمتد من الجذر حتى أول عقدة في الساق بعد فصل السنابل عنه سواء أكان ذلك قمحاً أو شعيراً, ثم يجمعن القصل في حزم وتربط بشريط من القماش أو خيط ويتم احضارها الى البيوت، يصبغ القش بالألوان المطلوبة ويجفف, ويخزن لليالي الشتاء حيث يتم النسج بنقع القصل بالماء لمدة يوم أو أكثر حتى يصبح طرياً ثم تلف بخرقة من الخيش مبللة بالماء لتبقى لينة وباستخدام المخرز تبدأ عملية النسج يدوياً, وتبدأ بأربع قشات يكون طرفهن بالفم حيث يجدلن وهنا بداية العمل ( البدوة ) ثم تضاف أعواد القصل على شكل حزمة ما بين 15 – 20 قصلة يلف عليهن بقصلة قد تكون عادية أو ملونة حسب الشكل المطلوب , وبواسطة المخرز يتم ربط هذه الحزم بما يقابلها من حزم سابقة وهكذا حتى الانتهاء من صنع الشيء المطلوب, وأحياناً تقوم بعض الفتيات برسم بعض الأشكال على الطبق لتزيينه أو كتابة عبارة بسيطة من كلمتين مثلاً أو اسم أخيها أو خطيبها أو غير ذلك, وأهم منتجات هذه الصناعة الطبق وهو على شكل دائرة يصل قطرها إلى متر ويستخدم عادة لوضع الطعام عليه واستعيض عن الطبق بصدر من الالمنيوم حالياً والطبوقة ( تصغير للطبق ) وكانت توضع عليها صحون الطعام لتقديمها لشخص أو اثنين كصينية واسعة, والمغمكان على شكل إناء كبير الحجم مقعر في قاعدته ليحمل على الرأس , والقفورة وعاء متسع في وسطه وقاعدته وفوهته ضيقتان لحفظ بيض الدجاج أو لوضع أدوات الخياطة من مقص وخيطان وكشتبان وأزرار أو بعض اللوازم , ولم يعد لهذه صناعة القش اليدوية أهمية تذكر سوى أن البعض يقتنيها ويعلقها على الجدران للزينة وكتراث شعبي جميل .